سعوديات

العمل التطوعي الخيري بين الإقدام والإحجام

العمل التطوعي الخيري بين الإقدام والإحجام

أنثى /  تحقيق وسيلة الحلبي




تعتبر الأعمال التطوعية الخيرية من أساس أعمال المرأة خاصة ، والرجل والمرأة معاً في المجتمعات بشكل عام . وهو ركيزة أساسية في بناء المجتمعات ودعم للتماسك الاجتماعي بين أفرادها، وهو بحد ذاته ممارسة إنسانية ترتبط بفعل الخير والعمل الصالح، ويختلف في شكله وحجمه واتجاهاته ودوافعه من مجتمع لآخر وبين فترة زمنية وأخرى. والعمل التطوعي هو تسخير الشخص نفسه عن طواعيته دون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى باتجاه واحد. قال  الله تعالى في كتابه العزيز (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلون ُ ) سورة التوبة . وفي خضم هذا الموضوع ونظرا لأهميته قمنا بإجراء هذا التحقيق لنضع النقاط فوق الحروف مع عدد من لهن باع طويل في الأعمال التطوعية الخيرية بالسعودية . بداية التقينا بالأستاذات نوال بنت صالح الشلهوب حرم السفير حمود بن نادر والتي لها باع طويل في الأعمال التطوعية  الخيرية ، وبالرئيس العام لجائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان الأستاذة جواهر السلطان ، وبالأخصائيتن الاجتماعيتين فريال الكردي وفاطمة السلوم.

معنى التطوع

الأستاذة نوال بنت صالح الشلهوب ماالمقصود بالتطوع  وماذا يعني لك ؟

التطوع : هو بذل المرء شيئا من جهده ووقته وطاقته وإمكانيته لتحقيق مصلحة دينية أو دنيوية أو دفع مفسدة أو مضرة دينية أو دنيوية عن أمته ومجتمعه ابتغاء الأجر عند الله تعالى.
والتطوع بالمفهوم الإسلامي : هو الجهد الذي يبذله الإنسان بدون مقابل لمجتمعه بدافع منه للإسهام في تحمل مسؤوليات المؤسسة الاجتماعية التي تعمل على تقديم الرفاهية للإنسان على أساس أن الفرص التي تتهيأ لمشاركة المواطن في أعمال المؤسسات هي ميزة يتمتع بها الجميع ويلتزمون بها.ويمكن أن يكون العمل التطوعي مساهمة بالعمل أو التمويل أو لمبدأ الرأي أو تقديم الخطط والدراسات التي تساهم في معرفة الحاجات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والتنموية للأفراد والمجتمع وتعمل على إيجاد الحلول ووضع البرامج اللازمة لتنفيذها. والعمل التطوعي هو أيضاَ دافع أساسي من دوافع التنمية بمفهومها الشامل اقتصادياًَ وسياسياً واجتماعياً وثقافياً ودليل ساطع على حيوية المجتمع واستعداد أفراده للتفاني والتضحية، وهو أيضاًً نوع من الاختبار الحر للعمل، وقناعة لمشاركة الأفراد طواعية في العمل من واقع الشعور بالمسؤولية ، ويعني لي الحب في الله والعطاء والإنسانية والرضا والسعادة .

 أما الأستاذة جواهر بنت محمد الصالح بن سلطان الرئيس العام لجائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة قالت :
أن التطوع  عملا إنسانيا بحتا ، في أي ساعة وأي وقت دون أجر لأننا نرجوا منه رضا الله وسعادة الآخرين . والتطوع في المجال الخيري والاجتماعي يعني لي واجباً دينياً وإنسانياً ووطنياً أقدم من خلاله ما أستطيع بقدر إمكانياتي وقدراتي وأحصل على السعادة والرضا وراحة النفس، بالإضافة إلى اكتساب الخبرات في المجالات المختلفة وتكوين قاعدة من المعارف والصداقات مع مختلف شرائح وطبقات المجتمع. ففوائد وايجابيات العمل التطوعي كمفهوم في رأيي لا يعود فقط على الفئة المستهدفة بل على المتطوع نفسه بما يمارسه أو يقدمه من عمل ويمر به من مواقف وتجارب تضيف إليه الكثير.
العمل الفردي أم الجماعي

أيهما تفضلين العمل الفردي أم الجماعي التطوعي؟
وتقول الأستاذة جواهر الصالح: أفضل العمل الجماعي المنظم وذلك من خلال مؤسسات المجتمع ووفق برامج وخطط مدروسة مما يجعل العمل التطوعي أكثر فعالية وفائدة للمجتمع.وتضيف الصالح إن العمل التطوعي كفكرة تعتبر تجربتي كمساعدة للمدير العام بالجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان) هي بداية خبرتي في هذا المجال حيث أدين لهذه الجمعية بإكسابي أساسيات العمل الخيري المنظم سواء كان مهنياً أو تطوعياً، وبالتالي المساهمة في بعض الأنشطة والبرامج الخيرية والوطنية ومنها عضوية الفرع النسائي للجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم

 بينما تقول الأستاذة نوال صالح الشلهوب  إن العمل التطوعي الفردي يعني عمل وسلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة ولا يبغي منه أي مردود مادي ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية. بينما العمل التطوعي المؤسسي فهو أكثر تقدماً من العمل التطوعي الفردي وأكثر تنظيماً وأوسع تأثيراً في المجتمع ، ونلاحظ أنه في المجتمع هناك عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية تسهم في تطوير المجتمع لأن العمل المؤسسي يسهم في جمع الجهود والطاقات الاجتماعية المبعثرة وأنا أفضل العمل التطوعي المؤسسي .

تنظيم العمل التطوعي

أستاذة جواهر كيف ننظم العمل التطوعي وما أهميته للشباب والفتيات ؟

تقول أستاذة جواهر الصالح إن العمل التطوعي في بلادنا في مراحله الأولية، ولتنظيم هذا العمل ينبغي أولاً تعريف المجتمع من جانب المختصين ومؤسسات المجتمع وعبر وسائل الإعلام بمفهوم العمل التطوعي ومجالاته ومتطلباته، كما يتطلب تنظيم العمل التطوعي إعداد خطط وبرامج متنوعة من قبل القائمين على مؤسسات المجتمع تحقق الأهداف الموجودة وتستقطب مختلف فئات المجتمع والاستفادة بما لديهم علمياً ومهنياً وعملياً.كما ترى الصالح أن من الأمور التي تثبط همم المتطوعين هي عدم استقبال مؤسسات المجتمع للمتطوعين لعدم وجود برامج تطوعية لديهم، وإن وجدت فتكون مخصصة لفئة معينة بالإضافة إلى عدم الإعلان عن برامج تطوعية من قبل مؤسسات المجتمع المختلفة. أما أهمية العمل التطوعي للشباب والفتيات بالمجتمع فأرى أن الشباب بجنسيه من أهم فئات المجتمع التي ينبغي استقطابها للمشاركة في العمل التطوعي في جميع المجالات؛ لما لذلك من أهمية في التفعيل الإيجابي لطاقات الشباب وقدراتهم وإكسابهم مهارات وخبرات متنوعة من خلال مجالات التطوع المختلفة، بالإضافة إلى تضييق الفجوة بين فئة الشباب والمجتمع

 وتقول الأستاذة نوال صالح الشلهوب العمل التطوعي من الوسائل الهامة جداً للمشاركة في تقدم المجتمعات باعتباره مسانداً ومعاضداَ للجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية ويمكن تنظيمه من خلال المؤسسات والشركات والجمعيات الخيرية وتنظيم لجان خاصة به لها أسس وقواعد وأهداف وبرامج تعمل على تحقيقها من خلاله فالإنسان المتطوع يكتسب أهمية كبيرة في المجتمعات لكثير من الأسباب أهمها : أنه ينمي الجانب الإنساني للمجتمع الذي يساهم في التعامل والتراحم بين الناس ويتيح الفرصة إلى التعرف على احتياجات المجتمع، ويزيد من قدرة الإنسان على التفاعل والتواصل مع الآخرين وينمي الحس الاجتماعي لدى الفرد المتطوع ويمنحه الثقة بالنفس واحترام الذات ويساعده على ترجمة مشاعر الولاء والانتماء إلى واقع ملموس ويساعد على استثمار الوقت ، لأن العمل التطوعي الخيري المنظم يؤتي ثمره ولذلك لابد من نشر ثقافة العمل التطوعي الخيري المنظم البعيد عن الفردية والعشوائية وذلك لتعم فائدته على الجميع. .وتكمن أهمية هذا العمل للإنسان في سن الشباب كونه يعزز انتماءهم ومشاركتهم وينمي مهاراتهم وقدراتهم الفكرية والفنية والعلمية والعملية ويتيح لهم المجال للتعبير عن رأيهم في القضايا التي تهم المجتمع والمشاركة في اتخاذ القرار.

دور المدرسة

أستاذة نوال الشلهوب وماذا عن دور المدرسة في تنمية الشعور بالعمل التطوعي الخيري ؟

قالت أستاذة نوال صالح الشلهوب للمدرسة دور كبير في ذلك حيث تقوم بتنمية هذا الحس الإنساني الرائع من خلال تكوين لجان خاصة بالمدرسة مثلا لجنة النظافة ، لجنة النظام ، لجنة مساعدة الطلاب الفقراء ، لجنة الزراعة وغيرها ويقوم الطلاب حسب حصص الفراغ أو بعد الدوام أو في حصص النشاط بنشاطهم التطوعي بعد إعطائهم الإرشادات وإقامة الندوات والمحاضرات التي تساعدهم على الانخراط في تلك الأعمال. ونحن كمسئولين ومربين تقع علينا مسؤولية كبيرة في تنمية هذا الحس الخيري والاجتماعي العظيم في نفوس أبنائنا، ولابد أن نذكر أبناءنا بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحث على التطوع لننمي فيهم هذا الحس الجميل والعمل الجليل حتى ينمو ويكبر معهم لينشئوا صالحين يخدمون وطنهم ومجتمعهم..

وتقول  الأستاذة جواهر بنت محمد بن صالح  : تعد المدرسة من أهم القنوات التي تربط بين الطالب ومجتمعه بشكل عام ويمكن من خلالها التعريف بمفهوم العمل التطوعي المنظم وتعزيزه في نفوس النشء سواء من خلال الأنشطة المنهجية أو اللا منهجية ولا أرى حالياً دوراً يذكر في هذا المجال ولكن أتمنى بإذن الله أن يحقق ذلك مع الخطط التطويرية للمناهج قريباً بإذن الله. ومن الممكن تعويد الأطفال على العمل الخيري التطوعي كأن نضع لهم حصالة في المنزل ونعودهم على الصدقة اليومية، ثم نقوم بعمل مسابقة بين الأبناء لنرى أيهم أكثر صدقة وعطاءً ونحثهم على المساهمة في تنظيف البيت، ثم الشارع الذي نسكنه مع أبناء الجيران، وأن يقوموا بذلك في المدرسة مع زملائهم من خلال النشاط اللامنهجي وأن يساعدوا في تنظيف السيارة مع السائق، وأن يبعدوا الأذى عن الطريق وأن يأخذوا بيد الشيخ والضرير والمحتاج، وأن لا يردوا طلب محتاج وأن يتعودوا التسامح والابتسامة لأنها مفتاح القلوب، وأن نتحاور معهم في أمور الأعمال الخيرية وفوائدها على النفس سعادة وهناء وارتياحا وعلى أفراد المجتمع بالتآخي والعطاء والمساعدة والعون

الرأي الاجتماعي ومعوقات العمل التطوعي

وحول رأي علم الاجتماع في هذا الموضوع الهام  التقينا الأخصائية الاجتماعية والعضوة المتطوعة في عدد كبير من المؤسسات والجمعيات الخيرية فاطمة محمد السلوم لتحدثنا عن تجربتها الخاصة في مجال التطوع فقالت أحمد الله سبحانه وتعالى أن أمدني بالصحة وسخر لي أن أقوم بخدمة الآخرين بكل طواعية وحب وشفافية فالعمل التطوعي هو النزول إلى أرض الواقع وتلمس احتياجات المواطنين وحاجات المجتمع لكل شرائحه وتفعيل طاقات أفراد المجتمع لخدمة ومساعدة الآخرين، وقد عملت متطوعة في مهرجان الجنادرية لمدة (17) عاماً ولله الحمد أخدم وطني من خلال المهرجان حيث قمت بتأسيس أول لجنة نسائية للمهرجان وأعددت الكثير من الخطط والبرامج البناءة والفعاليات التي خدمت المهرجان طوال تلك السنوات، كذلك من خلال أعمالي مع المعوقين قمت بالعديد من الأعمال التطوعية ولا زلت إلى الآن ولله الحمد متطوعة في العديد من اللجان التي تخدم مجتمعنا الكريم وأبنائه ونسائه، وأنا فخورة بعملي هذا وأدعو بنات وطني للاتجاه للأعمال التطوعية الخيرية ففيها الكثير الكثير من راحة النفس والأجر والثواب من الله عز وجل.
كما التقينا الأخصائية الاجتماعية الأستاذة  فريال الكردي رئيسة الفرع النسائي بجمعية الأيتام إنسان فرع الشمال  ورئيسة قسم الخدمة الاجتماعية بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون سابقا لتتحدث لنا عن دور علم الاجتماع وعن معوقات العمل التطوعي  فقالت:

 سأبتدئ بإحدى الدراسات والتي أوضحت أن هناك معوقات تتعلق بالجمعيات الخيرية نفسها وأخرى بالمجتمع وثالثة بالمتطوعين أنفسهم، ومعوقات خاصة بالمرأة وأوصت  تلك الدراسات على دور الإعلام في توعية المجتمع بأهمية عمل المرأة التطوعي والاهتمام بتدريس موضوعات تتعلق بالعمل التطوعي في المدارس والجامعات والقيام بحملات توعية داخل المدارس والجامعات حول التطوع وأهميته وأهدافه وتشجيع المتطوعين ووضع مكافآت تشجيعية لهم وتقديرهم وفتح مجالات للتطوع غير الجمعيات الخيرية وكسب الثقة والتأثير المجتمعي للنشاط التطوعي، وهنا أقول لا بد أن يكون لمكاتب الإشراف دوراً في تنشيط العمل التطوعي وذلك بإنشاء مكاتب لتدريب المتطوعات ومساعدة الجمعيات على إيجاد حلول للمشاكل التي تعترض العمل التطوعي والتأكيد على إتاحة الفرصة للمتطوعات للاشتراك في عملية صنع القرار وتقدير جهودهن وعدم التمييز بين مستوياتهن الاجتماعية أثناء العمل.
أما المعوقات التي تواجه العمل التطوعي فهناك معوقات تواجه هذا العمل إضافة إلى عدة جوانب منها معوقات مرتبطة بالمرأة نفسها كالظروف والمسؤوليات الأسرية الملحة ومعارضة الزوج وعدم القدرة على التوفيق في المهام والأعمال، بالإضافة إلى عدم اقتناع الأقارب والمحيطين بأهمية هذا النوع من العمل وهو ما أدى إلى إحجام بعض النساء عن العمل التطوعي ، وهنا لابد أن أوضح أن أسباب عزوف المرأة عن العمل التطوعي ربما يعود لسبب انخفاض المستوى المادي لكثير من الأفراد وزيادة أعباء الحياة حيث يقلل من تفكير الناس في العمل الخيري ثم ضيق الوقت وخاصة لدى المرأة لتعدد مسؤولياتها وصعوبة المواصلات، بالإضافة إلى عدم وعي الأسر بالدور الحقيقي والفعال للجمعيات الخيرية بشكل يحول دون إشراك المرأة في أي أنشطة تطوعية.
بعض التوصيات

هذا وقد أوصت المتحدثات في هذا التحقيق على ضرورة غرس حب العمل التطوعي الاجتماعي في نفوس المجتمع عن طريق المناهج الدراسية، وتوجيه بحوث التخرج إلى الأعمال التطوعية، وأن يكون هناك مفاضلة في ديوان الخدمة الاجتماعية للوظائف للخريجة التي يكون لها خدمة إلزامية تطوعية في أي جهة.
وضرورة تكثيف الجهود الإعلامية وإبراز العمل التطوعي من الناحية الدينية والإنسانية والوطنية والحث على العمل التطوعي المنظم، وضرورة التوعية بثقافة العمل التطوعي، وزرع الأعمال التطوعية الخيرية في نفوس الأبناء والبنات منذ نعومة أظفارهم لينشئوا عليها شباباً وشيباً ويتعايشوا معها ويتعلموا حبها والسعي إليها برغبة جامحة.




اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *