منوعات

ماري كوري صاحبة الشرف مرتين

إنها أول أنثى تفوز بجائزة نوبل, وأول من فاز بها مرتين, كما أنها من أربعة أشخاص فازوا بهذه الجائزة أكثر من مرة, من عام 1901 , وهو تاريخ تأسيس جائزة نوبل للعظماء, إنها الأنثى, التي أحبت بقلبها رجالاً وبعقلها علماً! لذلك فهي أنثى تستحق أن يخصص لها صفحات في تاريخ الأنثى البشرية, ماذا فعلت لكي تكون ذلك؟

ماري كوري
ماري كوري
  • نشأتها

ولدت عالمة الفيزياء والكيمياء ماري كوري في وارسو ببولندا بتاريخ 7 نوفمبر 1867, وعاشت حتى سن الرابعة العشرين, حتى التحقت بأختها (برونسوافا) (بالبولنديةBronisława) التي سافرت إلى باريس للدراسة.




ماري كوري

  • مقدمة عن حياتها.

فقدت والدتها في سن الثانية عشر, بعد أن عانت من مرض الدرن, ثم فقدت أختها الكبرى صوفيا متأثرة من مرض التيفوس, ووفقاً لروبرت وليم ريد أحد ممن كتبوا عن حياتها, فلقد أصيبت بردة فعل من ديانتها المسيحية الكاثوليكية, فكانت تسمع من رجال دين الكنيسة بأن أمها سوف تشفى حتى ماتت وكذلك أختها, فكانت ردة الفعل هو الخروج من الديانة المسيحية والبقاء بلا ديانة!
التحقت قبل أن تفقد أمها بسنتين بالمدرسة الداخلية التي كانت تديرها والدتها نفسها، ثم التحقت بمدرسة أخرى للبنات تخرجت فيها في 12 يونيو  1883، ثم قضت عاماً في الريف يتيمة الأم مع عائلة والدها وبعدها انتقلت إلى وارسو لتعمل بالتدريس الخاص.

ماري كوري

  • لأجل العلم يفشل الحب!

في أحد معامل وارسو بدأت ماريا أولى خطواتها في مجال البحث العلمي عامي 1890 و1891، ثم أبرمت مع شقيقتها برونيسلافا اتفاقاً فحواه أن تسافر برونيسلافا لدراسة الطب في باريس على أن تنفق عليها ماريا، ثم تتبادل الأختان المواقع بعد عامين! فعملت ماريا مربية لدى أسرة أحد المحامين في كراكوفيا ثم لدى أسرة تسورافسكي  في مدينة تشيخانوف، وهناك وقعت في الحب مع أحد شباب تلك الأسرة وهو كازيمير تسورافسكي (الذي صار فيما بعد من كبار علماء الرياضيات!) ، غير أن أسرته رفضت تزويجه لفتاة معدمة ولم يكن الفتى كازيمير يملك القدرة على الاعتراض، فتخلى عنها ونتيجة لذلك استغنت عنها الأسرة عن خدماتها وتم طردها, فاتجهت للعمل لدى أسرة فوكس في مدينة سوبوت الواقعة على بحر البلطيق في شمال بولندا، حيث قضت عاماً ولم تتخلى طوال تلك الفترة عن إعانة شقيقتها مادياً.
وفي مطلع عام  1890 ، وبعد شهور قليلة من زواج برونيسلافا من ديوسكي، وجهت برونيسلافا الدعوة لأختها ماريا للحاق بهما في باريس، غير أن ماريا أحجمت عن ذلك لعدم قدرتها على نفقات الدراسة بالجامعة ولأن قلبها ما زال يخفق تجاه الحبيب الأولي كازيمير تسورافسكي, فعادت إلى والدها في وارسو حيث ظلت معه حتى خريف1891 وبدأت في التدريس الخصوصي والتحقت بالدراسة في جامعة سرية كانت تسمى آنذاك بالجامعة العائمة وبدأت في التدرب في مختبر متحف الصناعة والزراعة قرب مدينة وارسو القديمة، وهو المعمل الذي كان يديره قريبها جوزيف بوغوسكي ، الذي سبق له العمل مساعداً للكيميائي الروسي العظيم ديميتري مندلييف في سانت بطرسبرغ .
وفي أكتوبر 1891 رضخت ماريا لإصرار أختها وقررت السفر إلى فرنسا ، خاصة بعد أن وصلها خطاب من تسورافسكي حطم قلبها وعقلها, فلملمت ما بقي من حطام قلبها وعقلها وذهبت لباريس, وهناك أقامت ماريا لفترة قصيرة مع أختها وزوج أختها قبل أن تقوم باستئجار حجرة متواضعة على سطح أحد المنازل, وانهمكت ماريا في دراستها للفيزياء والكيمياء والرياضيات بجامعة السوربون, أعظم جامعات العالم.

ماري كوري
ماري كوري
  • انفجار العلم والحب في السوربون.

كانت ماريا تواصل دراستها نهاراً وتقوم بإعطاء الدروس لتغطية نفقاتها, التي بالكاد كانت تكفي احتياجاتها مساءً, وفي سنة 1893 حصلت على درجة علمية في الفيزياء والتحقت بالعمل بأحد المختبرات الصناعية وواصلت دراستها في السوربون في نفس الوقت حتى حصلت على درجة علمية في الرياضيات سنة  1894، وهو نفس العام الذي دخل فيه بيار كوري حياتها، إذ كان يعمل بالتدريس في مدرسة الفيزياء والكيمياء التابعة للمدرسة العليا للفيزياء والكيمياء الصناعية بمدينة باريس‏, وكانت ماريا قد بدأت عملها العلمي في باريس بأبحاث حول الخواص المغناطيسية لأنواع الفولاذ المختلفة، وكان الاهتمام المشترك لماريا وبيار بالمغناطيسية هو ما جمعهما مغناطيسياً في الحب.
زاد سفر ماريا لقضاء الصيف في وارسو من العواطف المتبادلة بينهما, وكانت ماريا ظلت تحلم وترغب في العودة إلى وطنها لتمارس فيها أبحاثها في مجالها العلمي، غير أن جامعة كراكوفيا رفضت إلحاقها بالعمل لديها لمجرد كونها أنثى! مما دفعها إلى العودة إلى باريس، وبعد عام تقريباً عام 1895 تزوجت بيار كوري مما جعلهما مرتبطين ارتباطاً دائماً بالعمل في نفس المختبر، وقد تشاركا هوايتي ركوب الدراجات لمسافات طويلة والسفر إلى الخارج، وهو ما زاد من تقاربهما,  وضعت ماريا في عامي 1897 و 1904 على التوالي، ابنتيها إيرين وإيف، ورغم أن ماريا حصلت على الجنسية الفرنسية نظراً لنجاحاتها إلا أنها استأجرت لابنتيها فيما بعد معلمة بولندية لتعليمهما اللغة البولندية، كما اعتادت على إرسالهما لزيارة بولندا، وكانت تصطحبهما أحياناً في تلك الزيارات, وقد اقتفت ابنتها آيرين جوليو كوري خطى والدتها ونالت وزوجها فريدريك جوليو في عام 1935 جائزة نوبل في الكيمياء بعد قيامهما بتحضير أول نظير مشع من صنع الإنسان.

ماري كوري

  • الشرف مرتين ومادة باسم الوطن الأم

في سنة  1903 منحت الأكاديمية السويدية للعلوم كلاً من بيار كوري وماري كوري وهنري بيكريل جائزة نوبل في الفيزياء (اعترافاً بالفضل الكبير لأبحاثهم المشتركة في دراسة ظاهرة الإشعاع التي اكتشفها البروفيسور بيكريل).
ولم تتمكن مدام كوري وزوجها من السفر إلى ستوكهولم لتسلم الجائزة بشكل شخصي، ولكنهما اقتسما ريعها مع من يعرفون من المحتاجين و بعض طلبتهم, وقد أدى فوز بيار وماري بجائزة نوبل إلى ارتفاع شهرتهما في الأوساط العلمية، وعرضت جامعة السوربون على بيار كوري منصب الأستاذية وصرحت له بتأسيس معمل خاص به في الجامعة ، وهو المعمل الذي تولت فيه ماري كوري منصب مدير الأبحاث.
كانت ماري كوري بذلك هي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، وقد كررت كوري ذلك بعد 8 سنوات، إذ حصلت منفردة على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1911 اعترافاً بفضلها على تقدم الكيمياء باكتشافها عنصري الراديوم البولونيوم, قامت بتسمية هذا المعدن نسبة لبولونيا ( بولندا)  وطنها الأم, وفصلها لمعدن الراديوم، ودراستها لطبيعة ومركبات هذا العنصر الهام, وبعد شهر من نيلها لجازة نوبل الثانية أدخلت كوري إلى المستشفى مصابة باكتئاب ومرض كلوي.
أصبحت هي أول من فاز بجائزة نوبل مرتين ، وواحدة من اثنين فقط فازوا بجائزة نوبل في مجالين مختلفين (الثاني هو لينوس باولنغ، الذي نالها في مجالي الكيمياء والسلام). ورغم كل هذه الإنجازات فقد تعرضت كوري للتمييز من جانب الأكاديمية الفرنسية للعلوم لمجرد كونها امرأة مرة أخرى، حيث فشلت مرتين في الحصول على عضوية الأكاديمية وانتخب بدلاً منها إدوار برانلي وهو مخترع ساعد ماركوني في اختراع الإبراق اللاسلكي, ولمدة أكثر من نصف قرن لم تنجح أي امرأة في الحصول على عضوية الأكاديمية حتى انتخبت الفيزيائية مارغريت بيري إحدى تلميذات مدام كوري ـ لعضوية الأكاديمية عام 1962.

ماري كوري

  • مصرع الحبيب يساوي كئابة!

في 19 أبريل 1906 لقي بيير حتفه أثناء عبوره شارع دوفين تحت المطر الغزير، إذ صدمته عربة تجرها الخيول وسقط تحت عجلاتها ليلقى مصيره المحتوم متأثراً بكسر في جمجمته, وقد قيل إن سبب الحادث هو الوهن الذي أصابه نتيجة لطول تعرضه للإشعاع ، غير أن ذلك لم يثبت بشكل قطعي.
وقد اكتأبت ماري بشدة لمصرع زوجها، وأصبحت على حد تعبيرها (شخصاً يعاني من الوحدة بشكل بائس ولا شفاء منه) وفي 13 مايو 1906 قرر قسم الفيزياء بجامعة السوربون الاحتفاظ بالكرسي الذي أنشئ خصيصاً لزوجها, ومنحه لماري كوري إلى جانب إعطائها كامل الصلاحيات لإدارة وتشغيل المختبر، لتصبح أول امرأة تشغل درجة أستاذ (بروفيسور) في جامعة السوربون وتواصل عملها الدءوب الذي عرفت به بلا كلل.
تزايد تقدير العالم لإنجازاتها العلمية ، وفي عام 1911 منحتها الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل للمرة الثانية (في الكيمياء هذه المرة)، وزارها وفد من مشاهير البولنديين (برئاسة الروائي المعروف هنريك سينكيفيتش، الفائز بجائزة نوبل في الأدب هو الآخر) لحثها على العودة إلى بولندا ومواصلة أبحاثها في وطنها الأم.

ماري كوري

  • القلب يدق مرة ثالثة!

في سنة  1911 كشف النقاب عن علاقة جمعت بين ماري كوري وبول لانجفان، أحد تلاميذ زوجها السابقين، وكان متزوجاً فانفصل عن زوجته, واستغل خصومها العلميون الفضيحة الصحفية التي تلت اكتشاف هذه العلاقة ضد مدام كوري, ورغم شهرتها كعالمة تعمل في فرنسا، إلا أن الرأي العام انقلب عليها في مشهد تجسد فيه كره الأجانب  الذي سبق أن أشعل قبل سنوات قليلة قضية دريفوس المعروفة كما أثار شائعة بكونها يهودية, وكانت ماري تكبر لانجفان بخمس سنوات، وقد صورتها صحف الإثارة آنذاك في صورة (محطمة و خاربة البيوت) ومن تدبيرات القدر أن (هيلين جوليو) حفيدة مدام كوري تزوجت بعد سنوات طويلة من هذه الأحداث من (ميشيل لانجفان) حفيد بول لانجفان!
وقد مكنت جائزة نوبل الثانية التي نالتها سنة 1911 مدام كوري من مخاطبة الحكومة الفرنسية لتمويل إنشاء معهد خاص للراديوم (معهد الراديوم (الذي يسمى حالياً (معهد كوري) والذي أنشئ بالفعل سنة 1914 وأجريت فيه أبحاث كيميائية وفيزيائية وطبية، وقد صار المعهد فيما بعد بوتقة لتخريج الفائزين بجائزة نوبل، إذ خرج منه 4 من الفائزين بجائزة نوبل، منهم ابنتها إيرين جوليو ـ كوري وزوجها فريدريك جوليو ـ كوري

ماري كوري

  • القلب يتوقف عن الدق إلى الأبد

في ربيع سنة 1934 زارت بطلتنا وطنها الأم بولندا للمرة الأخيرة في حياته, كأنها للتوديع, فقد توفيت بعد شهرين من تلك الزيارة في 4 يوليو 1934 في مصحة سانسيلموز في باسي بإقليم سافوا العليا شرق فرنسا, حيث كانت تعالج من أنيميا  نجمت عن تعرضها الزائد عن الحد للعناصر المشعة في زمن لم تكن الآثار الضارة للإشعاع قد عرفت بعد، وبالتالي لم يكن العلماء الذين يتعاملون مع تلك العناصر على دراية باحتياطات السلامة اللازمة، فلطالما حملت مدام كوري أنابيب اختبار تحوي نظائر مشعة في جيبها وحقيبتها! ولطالما وضعتها في درج مكتبها دون أن تدرك أخطارها الجسيمة.
دفنت مدام كوري إلى جوار زوجها بيير في مقبرة في سو , وفي سنة  1995، نقل رفاتهما إلى البانتيون (مقبرة العظماء) في باريس تكريماً لإنجازاتهما العلمية، وكانت ماري كوري أول امرأة يتم تكريمها بهذه الطريقة، بل والوحيدة حتى ذلك التاريخ, وقد حُفظ معملها في متحف سمي بمتحف كوري, والغريب أنه ونظراً لتأثر أوراقها التي ترجع إلى تسعينيات القرن التاسع عشر بالإشعاع، فقد اعتبرت مواد شديدة الخطورة، وحتى كتاب الطهي الخاص بها كان مشعاً بدرجة كبيرة لدرجة أنه محفوظ مع تلك الأوراق في صناديق مبطنة بالرصاص، وتستدعي مطالعة هذه الأوراق ارتداء ملابس خاصة واقية من الإشعاع, كأنها أرادت أن تحفظ حاجياتها وأوراقها بعيداً عن العبث.




اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *